سورة الصف - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الصف)


        


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)}
{لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} في سببها ثلاثة أقوال: أحدها قول ابن عباس: أن جماعة قالوا: وددنا أن نعرف أحب الأعمال إلى الله فنعمله، ففرض الله الجهاد فكرهه قوم فنزلت الآية والآخر أن قوماً من شبان المسلمين كانوا يتحدثون عن أنفسهم في الغزو بما لم يفعلوا، ويقولون فعلنا وصنعنا وذلك كذب، فنزلت الآية زجراً لهم. والثالث أنها نزلت في المنافقين، لأنهم كانوا يقولون للمؤمنين: نحن معكم ومنكم ثم يظهر من أفعالهم خلاف ذلك وهذا ضعيف، لأنه خاطبهم بقوله: {ياأيها الذين آمَنُواْ} إلا أن يريد أنهم آمنوا بزعمهم، وفيما يُظهِرون. ومع ذلك فحكم الآية على العموم في زجر من يقول ما لا يفعل {كَبُرَ مَقْتاً عِندَ الله أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} كان بعض السلف يستحي أن يعظ الناس لأجل هذا الآية ويقول: أخاف من مقت الله، والمقت هو البغض لريبة أو نحوها، وانتصب مقتاً على التمييز وأن تقولوا فاعل، وقيل: فاعل كبر محذوف تقديره: كبر فعلكم مقتاً وأن تقولوا بدل من الفاعل المحذوف أو خبر ابتداء مضمر {إِنَّ الله يُحِبُّ الذين يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً} ورود هذه الآية هنا دليل على أن الآية التي قبلها في شأن القتال، وقال بعض الناس: قتال الرجالة أفضل من قتال الفرسان، لأن التراص فيه يتمكن أكثر مما يتمكن للفرسان. قاله ابن عطية وهذا ضعيف، خفي على قائله مقصد الآية، وليس المراد نفس التراص، وإنما المراد الثبوت والجد في القتال {كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} المرصوص هو الذي يُضم بعضُه إلى بعض. وقيل: هو المعقود بالرصاص ولا يبعد أن يكون هذا أصل اللفظ.


{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5)}
{وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ ياقوم لِمَ تُؤْذُونَنِي} كانوا يؤذونه بسوء الكلام ويعصيانه وتنقيصه وانظر في الأحزاب {لاَ تَكُونُواْ كالذين آذَوْاْ موسى} [الأحزاب: 69] {وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ} هذا إقامة حجة عليهم وتوبيخ لهم، وتقبيح لإذايته مع علمهم بأنه رسول الله، ولذلك أدخل قد الدالة على التحقيق {فَلَمَّا زاغوا أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ} هذه عقوبة على الذنب بذنب، وزيغ القلب هو ميله على الحق.


{وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7)}
{وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ يابني إِسْرَائِيلَ} إنما ق لموسى يا قوم، وقال عيسى يا بني إسرائيل، لأنه لم يكن له فيهم أب {مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التوراة} معناه مذكور في [الأحزاب: 41] في قوله مصدقاً لما معكم {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ} عن كعب أن الحواريين قالوا لعيسى: يا روح الله هل بعدنا من أمة؟ قال: نعم أمة أحمد حكماء علماء أتقياء أبرار {اسمه أَحْمَدُ} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لي خمسة أسماء: أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الله الناس على قدمي وأنا العاقب فلا نبي بعدي» وأحمد مشتق من الحمد، ويحتمل أن يكون فعلاً سمي به، أو يكون صفة سمي بها كأحمد، ويحتمل أن يكون بمعنى حامد أو بمعنى محمود كمحمد {فَلَمَّا جَاءَهُم بالبينات} يحتمل أن يريد عيسى أو محمداً عليهما الصلاة والسلام ويؤيد الأول اتصاله بما قبله، ويؤيد الثاني قوله: وهو {يدعى إِلَى الإسلام} لأن الداعي إلى الإسلام هو محمد صلى الله عليه وسلم.

1 | 2